الجمعة، 31 مايو 2019

عزاءات الفلسفة


كيف يمكن أن أختصر كل العزاءات التي في الكتاب بمراجعة مختصر؟ فهل يُختصر العزاء أصلًا؟ بدون أن يفقد سِحره وقوّته على نزع بؤسك؟

قُسم الكتاب إلى 6 عزاءات مختلفة تُحكى عن طريق 6 فلاسفة (سقراط – أبيقور- سينيكا- مونتين- شوبنهاور- نيتشه). أفضل ما في الكتاب أن الكتاب يعرف أنه من المزعج جدًا أن ينظر لك أحدهم من أعلى سعادته أو سلامة قلبه أو غِناه أو امتلاكه لما تفتقد، ثم يقرر أن يواسيك بشأن ما تفتقد. مهما بدت مواساته مقنعة، يستصعب الإنسان تشرّب هذي المواساة والاتكاء عليها. لذلك: كان ذِكر الكاتب لحياة أي فيلسوف قبل أن يذكر أفكاره وعزاءاته، منقذ جدًا. ويجعل لأفكارهم قيمة مضاعفة، ومواساة مضاعفة.


1. العزاء بشأن مخالفة الآراء السائدة

كان سقراط هو رمز مخالفة الرأي السائد في هذا الفصل بكل قوة. فلسفته اللي استنكرها حكّام أثينا واتهموه أنه بواسطة نشرها “يفسد شأن أثينا“، ثم قرروا قتله، كان يحمل وراءه معنى قوة سقراط وثبات إيمانه بفلسفته، ورفضه لاتباع الآراء السائدة بدون اقتناع منه
يشرح المؤلف إن خضوعنا أمام الرأي السائد وخوفنا من الرفض، سببه: إننا عاجزين عن تقبُّل فكرة أن نكون نحن الأذكياء الوحيدين فالعالم الذين أدركوا الحقيقية. ويؤكد إننا لو تجرأنا على كسر هذا الخوف والعجز، لتجرأنا دائمًا على قول الفكرة السليمة، مهما كان موقف الرأي السائد منها.ثم ينتقل لعزاء ثاني. يكشف حقيقة الأشياء اللي ينقال عنها باستمرار إنها (سائدة)، هل هي فعلًا سليمة وتستحق هذا الثبات عليها؟ يجاوب ويقول:  “العالم أكثر مرونة مما يبدو عليه، إذ إن الآراء السائدة لاتنبع عادةً من عملية تأمّل صارم، بل عبر قرون من التخبّط الفكري.” 
ويستمر استنتاج المؤلف من فلسفة سقراط كل ما كان سقراط يسعى لإيصاله. يقول*: “ماينبغي أن يقلقنا ليس عدد الناس الذي يعارضوننا، بل مدى قوّة الأسباب التي تدفعهم إلى فعل هذا.. لذا ينبغي علينا تحويل انتباهنا, بعيداً عن وجود مخالفة الآراء السائدة, بإتجاه تفسير أسباب ذلك. وقد يكون من المخيف أن نسمع أن نسبة عالية من المجتمع تعتبرنا مخطئين, ولكن قبل أن نتخلى عن موقفنا, لا بد لنا من التدقيق في المنهج الذي توصلوا عبره إلى نتائجهم. إن منطقية منهج تفكيرهم هو الذي ينبغي أن يحدد القيدمة التي سنسبغها على معارضتهم لرأينا"*.
وأهم شيء أنه يأكد أن الفلسفة منحت سقراط قناعات مكنته من امتلاك ثقة مبنية على العقل, وليست هستيرية, حين كان يواجه الرفض.


2. العزاء بشأن الافتقار للمال:


مبدأ الفيلسوف إبيقور يقول أن السعادة يكفي لتحقيقها أن يكون هناك “لذة” وحسب. وياللحظ –يقول إبيقور– أن أغلب الأشياء التي توفر هذي اللذة لاتحتاج للمال! ثم يسرد بعضها: الصداقة، الحرية، التفكير. يفصّل الكاتب نظرة إبيقور لكل واحدة منهم. ثم يختمها بقوله:
“إن السعادة معتمدة على بعض الأمور السيكولوجيّة المعقّدة، ولكنها مستقلة نسبيًا عن الأمور المادية. “يطرح الكاتب سؤال حاد، يقول:“*لابد أن نتساءل بصرامة في اللحظة التي نتوق فيها إلى امتلاك شيء باهظ الثمن، ماإذا كنا مُحقّين بفعل هذا.ما الذي سيحدث لي لو تحقق ماكنت أرغب به؟ وما الذي سيحدث لو لم يتحقق؟!*

ثم يصر على التحجير لنا. ويكمل اقتراحه علينا بمعالجة حالات بؤسنا هذه، بالتساؤل عن مدى أهمية رغبتنا بالمال/الأشياء. فصل طريقة المعالجة في منهج بخطوات مرتبة. يقول: "امتلاك الأشياء النفيسة لايحل معضلة قلق الروح!… إن الأشياء تماهي ماديًا مانحتاج إليه سيكولوجيًا؛ إننا بحاجة إلى تنظيم أذهاننا، فننجذب إلى الرفوف الجديدة. نشتري سترة من صوف الكشمير، لتحلّ محلّ أحاديث الأصدقاء!“

أي أننا بننجذب فالغال إلى "آراء تافهة" الخاصة بالناس حوالينا والتي لا تعكس الهرمية الطبيعية لحاجتنا بل تركز على الترف والممتلكات ونادرا ما تتطرق إلى الصداقة والحرية وغيرها وإن كل ذلك بسبب الترويج لصالح مشاريع تجارية.


3. العزاء بشأن الإحباط:
قتلْ الفيلسوف الروماني سينيكا هو بداية الطريق للعزاء في هالفصل. قُتِل بأمر من الامبراطور نيرون، اللي تربّى وتعلّم من صغره على يدّ سينيكا، مدّعيًا -نيرون- بأن الفيلسوف يتآمر عليه. بعد أن انحرفت تصرفات نيرون وأفكاره وتحولت إلى أقصى مراحل الدناءة والعدوانية، أرغم معلمه أخيرًا على الإنتحار. بنفس الطريقة اللي اُرغِم عليها سقراط. حتى إن الرسام نفسه جاك-لوي دافيد رسم مشهد موته مثل مافعل مع سقراط . المآسي والاتهامات اللي لاقاها سينيكا في حياته ثم نهايته المحزنة على يد نيرون، و “استجابته” على حد تعبير الكاتب، لكل هذا، كانت عزاء و قوة لنا. سينيكا قال موضحًا سبب صموده أمام كل هذي المصاعب:
“أدين بحياتي للفلسفة“ كانت فلسفة سينيكا تؤمن بأن مايدفعنا إلى الغضب والتألم والإحباط من الحياة، هو التفاؤل المبالغ فيه، تجاه الحياة والأشياء. يقول الكاتب: “بحسب الرؤية السينيكية، إن ما يدفعنا إلى الغضب هي أفكارٌ تفاؤلية على نحو خطير بشأن ماهية العالم والناس.والنصيحة الخطيرة اللي يسدي بها سينيكا لنا تقول: “يجب علينا أن نبقي في ذهننا احتمالية وقوع كارثة في أي لحظة!” حتى إنه وصف تفاؤلنا وحسن ظننا في الواقع، بأنه “براءة خطيرة“.
يقول سينيكا بوضوح:
“الطبيعة لم تَخلقْ مكانًا يتّسم بالثبات… لاشيء مستقر. مصائر البشر، ومصائر المدن، في دوّامة.” ويؤمن سينيكا بقوة، أن الإيمان بهذا اللاثبات في الحياة، يقلل إحباطنا أمام الأشياء لو ما حصلت مثل ما نتوقع. "
لكن سينيكا ماكان أبدًا يقصد بهذا إنه يتركنا في بؤس و ترقب وقلق سوداوي مستمر! بالعكس. هو يعتقد، بحكمة فيلسوف لاقى في حياته الكثير، أن تأهبنا لمخالفة الواقع لأغلب احتمالاتنا، يجعلنا أقوى من إننا نتهاوى أمامها.سينيكا لا يحرض عالكآبة. كان قد سَمِع عن أم مازالت تبكي بحرقة على موت ابنها رغم مرور سنوات على موته! أرسل لها رسالة يواسيها، ثم ختم رسالته بسؤال لطيف، لكنه ثاقب! وقال لها:
“المسألة التي تهمّنا الآن هي ما إذا كان ينبغي على الحزن أن يكون عميقًا.. أو دائمًا؟“ أعتقد أن هذا السؤال نحتاجه في أغلب حالات البؤس والإحباط اللي ندفن أنفسنا فيها، عن كل شيء..

4. العزاء بشأن العجز:
كان تأمل العزاءات هنا عميق وتفصيلي. تكلم المؤلف عن العجز الجنسي والعجز الثقافي والعجز الفكري، وكان الأخير واسع وثري جدًا. وبالمناسبة هو من أجزائي المفضلة بالكتاب.
في العجز الثقافي كانت مونتين هو سيد العزاء. كان الشيء الوحيد الذي يعتقد مونتين أنه ذا أهمية، فيما لو شعرنا بعجز ثقافي، هو أن نتصالح مع الاختلاف -أي اختلاف- مهما بدا غريبًا علينا. أن نتفهم فعلًا، وحقيقةً، أن ماندعوه “طبيعي” في ثقافتنا، هو مجرد حكم نسبي، ولا ينبغي عليه أن يكون ثابت ومناسب لكل مكان. وكان يقول *" أنا إنسان ,لا شيء إنسانياً غريباً عني"*
كان مونتين يراقب كيف كانت أفكار الناس بشأن الطبيعي تتغير بحدة، من مقاطعة إلى أخرى.“ذَكَر المؤلف اعتقادات وأفكار كثيرة في مجتمعات مختلفة، وكيف أن أهلها يقدسونها، بينما في جزء آخر من العالم، يُعاقبون على الفكرة نفسها، وربما يقتلون من يعتنقها.
ثم لاينسى مونتين أن يعزينا فيما لو اتهمنا أحد بـ لا-طبيعيّتنا. كان عزاؤه هو الصداقة. يقول الكاتب موضحًا فكرة مونتين:
“الصديق، هو شخص طيّب بما يكفي لاعتبار أن معظم مافينا طبيعي أكثر مما يعتبره الناس. قد نتشارك أحكاماً لاذعة, أو جنسية, أو اكتئابية, أو سخفية, أو ذكية, أو حساسة – الصداقة مؤامرة صغيرة ضد ما يعتبره الناس معقولاً. .“كان في موقف مونتين تجاه “العجز الفكري” هجوم ضد اللغة الصعبة، اللي يتكلم بها أصحاب الكتب أحيانًا. ويرى إنها غالبًا هي سبب تعذر الفهم علينا، وليس عجز خالص منّا. ثم يضع أمامنا احتمال آخر ساخط: هو أن لجوءهم للصعوبة والتعقيد قد يكون لـ سد خواء مايقولونه (:
يقول مونتين:

“الكتابة البسيطة تستلزم شجاعة، إذ هناك مجازفة أن يتم تجاهل الكاتب وإقصاؤه لكونه متواضع الفهم، من جانب مَن يمتلكون إيمانًا عنيدًا بأن النثر العويص: هو دمغة الذكاء!”
وبشجاعة تعزيك حتى أقصاك، وتوسع ثقتك بمخزونك الفكري، كان الفيلسوف مونتين يتساءل: عن حقيقة ثقل وقيمة الأفكار اللي نقرأها عن كل السابقين من فلاسفة ومفكرين! عن السبب اللي يجعلنا نقدسها هي بالذات وننبهر من حدتها و ذكاءها، لمجرد التصاقها باسم كاتب معين عاش قبل آلاف الأعوام! ليه ما يُقابَل كلام الناس البسيطة، رغم امتلاكه قيمة عالية، بنفس الحفاوة والتبجيل؟
يقول الكاتب: “ولكن الأفكار المهمة، كما أكد مونتين، توجد في كل حياة. بصرف النظر عن مدى تواضع قصصنا، بوسعنا توليد أفكار عظيمة من أنفسنا أكثر من تلك التي نستمدّها من جميع الكتب القديمة.“ ثم يحرضنا مونتين على اكتشاف أنفسنا. ويصارحنا بحقّنا المشروع في تأمل حياتنا بصورة ذكية يمكنها أن تبدو مؤثرة وتعلّمنا وتعزينا أكثر من حيوات غيرنا! يقول بإيجاز:
“إننا أكثر غِنى مما نظن.“

5. العزاء بشأن انكسارات القلب:

شوبنهاور المتشائم وعدو الحب!- كان قائد هذا العزاء
و تبرز فكرته المعروفة: بأن الحب والانجذاب والرغبة في الزواج هي في الحقيقة، ودون أن نشعر، تنشأ فينا من أجل “رغبتنا في الحفاظ على الجنس البشري” لاأكثر ولاأقل.يقول المؤلف: “لم يكن يقصد شوبنهاور دفعنا لليأس، بل تحريرنا من التوقّعات التي تُفضي إلى المرارة.” ويقول شوبنهاور: “مايسبب انزعاج وتعاسة سن الشباب هو السعي وراء السعادة بناءً على الافتراض الأكيد أننا سنجدها في الحياة.“أعتقد إن أفضل جزء في عزاء شوبنهاور هو إيمانه بأن في الفن بكل أشكاله، عزاء لامنتهي، لانكساراتنا وعزلتنا وإحساسنا بالوحدة. وأن بإمكانه، بجانب الفلسفة، أن يجعل من ألمنا: معرفة، تعزّينا. يقول شوبنهاور:
“إن جوهر الفن هو أن حالته تنطبق على آلاف” وعليه يقول المؤلف: “سيكون ثمة عزاء عند إدراك أن حالتنا ليست سوى واحدة، من بين آلاف“.

6.العزاء بشأن المصاعب:
نيتشه يتكلم عن المصاعب؛ و يؤكد لنا أن “غاياتنا”، تتطلب منّا أن نتألم. اعتبر نيتشه الألم شرطًا وكان يحاول اقناعنا بـما سمّاه المؤلف “مشروعية الألم“. حكى في البداية عن تبدل نظرته تجاه الألم، وإيمانه السابق بفلسفة شوبنهاور البائسة اللي تؤمن بأن البؤس أصل كل شيء وتكرّس جهد الإنسان في التركيز على الهروب من الألم. يحكي تغيّر فكرته ويقول إن علينا لا أن نتجنب الألم، لكن أن نعرف الحكمة من وجوده، وأن نتصالح مع ضرورته، وطبيعته، حتى نصل لغايتنا.يقول نيتشه: “في الحد الفاصل بين الإخفاق الأوليّ والنجاح اللاحق، في الهوّة بين المكانة التي نتمنى تحقيقها يومًا ما ومكانتنا حاليًا، لابد من الألم، والقلق.” لاحظ إنه حتى لما قال إخفاق، قال عنه “أوليّ” ليس إخفاق كلي. ولا هو إخفاق لحاله؛ فيه حتمًا “نجاح لاحق”.المؤلف (دي بوتون) مذهل و ذكي في طريقة سرده وتعليقاته. كان تفسيره لفلسفة نيتشه جميل جدًا في هذا الفصل.

ويقول نيتشه: “لابد من أن نتعلّم معاناةَ كلّ ما نعجز عن تجنّبه.” وكل العزاء كان فيه الاحتمال الذي رماه نيتشه في أحضاننا حين قال:
“قد تكون ثمة مشاعر ومواقف عويصة، يمكن لها أن تُنتِج، عبر العناية الحريصة، أعظم الإنجازات والمسرّات!“و يحدد بثقة:
“يتم تحقيق الإنجاز عبر الاستجابة بحكمة إلى المصاعب التي يمكن أن تمزّق المرء إلى أشلاء.“يعلّق المؤلف: “نيتشه يحثّنا على التحمُّل!“ذكر المؤلف أيضًا رأي ستاندال في مقاومة الألم. الرأي اللي يأخذك لأفسح أرض من الرضا وتفهُّم الألم. يقول:
“لورفضت أن تخيّم عليك المعاناة ولو لساعة واحدة. ولو حاولت دومًا منع وكبح مواطن اليأس… من الواضح أنك تكنّ في قلبك دين الراحة… و يالقلة ماتعرفون عن السعادة البشرية أيها الناس المرتاحون. إن السعادة والتعاسة شقيقتان، بل توأمان، إما أن تكبرا معًا، أو -في حالتكم- أن تبقيا ضئيلتين معًا.“

أخيراً أختتم بتلك المقولة الرائعة: "لا يكون كل ما يشعرنا بالتحسن جيداً لنا بالضرورة, كما لا يكون كل ما يؤذينا سيئاً".

بيت الكريتليه - فلكلور مصري من السيدة زينب

قصة النهارده فلكلور مصري أصيل عن مكان تحفة منسي وسط أحياء القاهرة القديمة جنب مسجد أحمد ابن طولون.. القصة واحده من الأساطير الـ 14 عن بيت ال...