الأحد، 10 سبتمبر 2023

أسطورة بجماليون

Edward Burne Jones- Pygmalion & Galatea myth

أسطورة بجماليون من الأساطير الإغريقة اللي أثرت في أعمال كتير جدا حتى لو بشكل بسيط زي فيلم باربي وفيلم Ruby Sparks  ومقتبس منها مسرحية مشهورة لبرنارد شو ولـتوفيق الحكيم باسم بجماليون.

الأسطورة عن الفن والحب والعلاقة بين الفنان وملهمته.. دايما لما نقرأ الأساطير بنفترض إننا عرفنا القصة كلها بس القصص دي بيكون وراها معاني كتير وكتير من الأساطير الكلاسيكية دي كانت أساس لنظريات في علم النفس وتحليل شخصية الإنسان.. فـ تعالو نحكيها ونعرف إيه اللي وراها...

الأول.. مين هو بجماليون وإيه قصته؟

الأسطورة بتبدأ في قبرص اللي كانت المكان الأول لظهور أفروديت (أفرودايتي) وكان في بنات اسمهم بنات بروبيتوس عملوا ثورة على أفروديت ف ألقت عليهم لعنة خلتهم يبقوا بغايا.. وبسبب كده الجزيرة اتعرفت إنها مكان ممم "خليع" الناس كلها بتجري ورا رغباتها وشهواتها وبيبعوا اجسادهم.

رسمة من 1651 يظهر فيها بيجماليون في المقدمة
والبروبويتيدس في الخلفية

ظهر نحات موهوب ورقيق اسمه بجماليون كان رافض كل العك ده ومعتزل الحُب وأي علاقة جسدية تمامًا وشايف إن كل النساء أقل من إنه يحبهم وقرر إن هو مش عايز أي حاجه من الدنيا غير الفن!

كان شغال في أمان الله بينحت في تمثال جديد.. التمثال واحده واحده وهو شغال بينحت فيه بيتحول لجسم أنثى جميلة جدا ... بجماليون عجبه شكل التمثال وبقى حتى ناسي ياكل ويشرب وكل اللي بيعمله انه يشتغل عالتمثال "تحفته الفنية" اللي هتخلده بين الفنانيين ليل نهار.

في اليوم الخامس.. وقف شغل..ورجع ورا يبص للتمثال وعرف إن تحفته انتهت.

كان أجمل تمثال أو عمل فني شافه في حياته! تمثال لأجمل واحده شافتها عينيه.. المرأة الكاملة البيرفكت أخيرا اللي مستحيل يلاقي زيها في الدنيا!

قلبه فضل يدق يدق وعينه وسعت .. كان في حالة من الفرح والوجع .. عارفين اسمها إيه الحالة دي؟ بالظبط.. الحُب!

سماها جالاتيا "جايه من بياض الرخام" وكان مهووس بيها ولازق في تمثاله ليل نهار وكان بيجبلها هدايا وورد وأصداف ويقعد يكلمها ويبوسها .. كان بيجبلها لبس وخواتم لصوابعها وسلاسل وحلقان.. كانت حاجه مثيرة للسخرية إن بيجماليون اللي بيحتقر الستات يقع في حب واحده مستحيل أصلا تحبه (لأنها تمثال)!

لحد يوم عيد أفروديت اليوم اللي بيتجمع فيه كل أهل المدينة وناس جايين من كل مكان حتى برا المدينة عند معبد أفروديت يطلبوا منها الحب.. أو حتى نسيان الحب..

Pygmalion Praying Venus to Animate His Statue
Jean-Baptiste Baron Regnault, 1786,
في وسط الجموع اتسلل بجماليون.. دفع رشاوي للحراس وعمل كل حاجه عشان يوصل لتمثال أفروديت.. قعد قدماها وقالها "يا ربة الحب العظيمة، يقولون أنك تحققين أماني العشاق المتيمين في يوم عيدك، حققي أمنية فنان مسكين يرجو أن تمنحيه فتاة حية مثل تلك التي صنعها من الرخام.. حققي هذا وسأكرس كل حياتي وفني لمديح الحب!"

أفروديت عرفت كويس هو عايز إيه وطبعا اتأثرت بتبجيله ليها فراحت للورشة بتاعة بيجماليون عشان تشوف التمثال اللي عامل الدوشة دي بنفسها.. ولما بصت للتمثال اندهشت من جماله! ممكن بمعنى تاني.. من كتر جمالها حست أفروديت إن جالاتيا شبهها في الجمال فعشان كده منحت بيجماليون رغبته.

رجع بجماليون بسرعة لبيته وهو بيجري ويخبط في كل الناس لحد ما وصل..

باس التمثال وبدأ يحس بحرارة.. هل دي حرارته هو عشان الحب ولع في الدرة وكده؟ لكن لأ! ده التمثال واحده واحده بدأ يتحول لـ لحم.. لإنسان!


حط إيده على عروق دراعها ولقى نبض! حضن جالاتيا بين دراعه وحس بيها بتاخد أول أنفاس وغرقوا في حب بعض واتجوزوا وبعد 9 دورات للقمر جابوا طفل سموه "بافوس" وده اسم جزيرة في قبرص لحد دلوقتي..

فكرة قصة بيجماليون رغم إنها بسيطة بس هي تعتبر أساس تفسيرات سلوك الرجالة ورغباتهم.. الأسطورة بإختصار بتشاور لحاجة الراجل إنه يسيطر على واحده معينة وتحويل أفكارة ومعتقداته اللي شايفها هي الصح الوحيد لواحده ست..

العكس الكامل لل Propoitides او البروبتيدات هي جالاتيا. هي بالظبط التجسد البطرياركي للست المثالية.. جميلة جدا جدا بطريقة بريئة خالص وغير جنسية عكس البروبويتدس اللي بيعملوا كل حاجه من غير كسوف.. ده حتى أول حاجه عملتها جالاتيا لما بقت إنسان إنها كانت مكسوفة من الوضع..

توفيق الحكيم
لكن في حاجه مفكرناش فيها هل جالاتيا لما بقت بشر كان عندها نفس إحساس بيجماليون وحبته؟ ممكن جدًا.. لكن في القصة مش باين إذا كان ليها إرادة حرة. حسب قصيدة أوفيد اللي كتب قصة بيجماليون في كتاب Metamorphosis أو التحولات في القرن التامن مكنش في دليل إن جالاتيا عندها إرادة حرة.. تحس إنها كانت أمتداد لإرادة بيجماليون. في الحقيقة هي مقالتش كلمة واحده بس على الرغم من إنها بقت إنسانة بس برضو مفيش مساواة بينها وبين اللي عملها اللي هو بيجماليون.

وعشان كده.. عايزه احكيلكم عن مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم وإزاي غيَر في الحبكة (اللي بالمناسبة حساها واقعية أكتر).

بجماليون بعد ما أتجوز جالاتيا وعاش في سعادة مع المرأة المثالية.. بدأ يحس إنها كانت أسمى وأكمل ومثالية فعلا.. بس وهي تمثال!

في مسرحية توفيق الحكيم بعد ما بقت انسان حاولت تهرب مع نارسيس اللي كان صديق بجماليون في المسرحية ولما رجعت حس إنها سقطت من الفضيلة للخطيئة ومبقتش بيرفكت زي ما كانت عايز فطلب من الآلهة إنها تصلح غلطها وترجع  جالاتيا تمثال تاني وفعلا رجعوها.. لكن بعد فترة مِرض ووحشته جالاتيا وهي انسان وطلب منهم يرجعوهاله تاني عشان خلاص فهم غلطه لكنهم رفضوا راح مكسر التمثال!... فلما فقد بجماليون كل أمل عشان يلاقي اللي يرضيه سواء وجالاتيا عايشه أو ميته... ولأن حياته خلاص مبقاش ليها معنى خاصة بعد تكسير التمثال.. مات.

ليه شايفه نسخة المسرحية النكد دي واقعية؟ عشان محدش بيوصل للكمال ومحدش كامل.. بجماليون في المسرحية كان عايش صراع الإنسان ف إنه يفهم القضاء والقدر و صراع مستمر مع أحلامه وأمله لعالم مثالي لكنه مهما طار في سما الفن والمثالية هيرجع على وشه ويستسلم للواقع اللي بيفرض نفسه... بيجماليون كان شايف الجمال والحب حاجات مطلقة ولازم تبقى زي ما هو عايزها مش حاجات نسبية وبتتغير وحقيقية فيها عيوب.

رغم إن أسطورة بيجماليون تبان قصة رومانسية من برا.. بس هي شبه معظم المواقف الذكورية..

بيجماليون كان بيكره كل الستات وشايف إنهم تافهين وميستحقوش حبه .. بس الوحيدة اللي حبها هو اللي عملها.. كانت إنعكاس لنفسه ولشخصيته ولفكرته عن إزاي المفروض تكون المرأة. وبرضو يمكن يكون حبها عشان هي الست الوحيدة اللي صعب يحصل عليها.. عشان كده توفيق الحكيم في مسرحيته حكى إن بعد ما بقت حقيقية وبقت مراته شاف إنها كانت أحسن قبل كده وزهق منها وكان عايزها ترجع تمثال مرة تانيه.

في فيلم اسمه Ruby Sparks اكتشف الكاتب الموهوب (فنان برضو) اللي بيعاني من الحيده برضو واللي مش لاقي الحب إن شخصية فتاة أحلامه اللي بيكتبها  بتفاصيلها في روايته الجديدة بتتحول لواحده حقيقية قدامه يقدر يفصلها زي ما هو عايز! لكن في آخر الفيلم بيعرف إنه مهما غير فيها مش هيرضى .. لو كتب إنها مرحة طول الوقت هيصدع لو غير إنها تكون هاديه هيزهق  لو خلاها تحبه وتبقى عايزاه طول الوقت هيتعب لو خلاها مستقلة وتبعد عنه هيتقمص! مهما كتب عمرها ما هتكون زي إنسان متناقد وفيه نواقص.. لكن حقيقي.

طيب وبالنسبة لفيلم باربي؟

حبكة الفيلم إن باربي (اللعبة الغير حقيقية) مصنوعة بشكل بيرفكت من ناحية الشكل وعالمها بيرفكت وبيدي للمرأة حقوقها وبتعمل فيه كل حاجه بتتغير لما باربي بيبدأ يبقى عندها وعي ومبتبقاش مجرد لعبة.. بتتحول لبشر عنده مشاعر بيفكر فالموت وفي الحياة والأحلام والإستقلالية بعيداً عن عالمها المرسوم ورغبة اللي صممها من الأول.. كفاية حرق لحد هنا :D

الجدير بالذكر إن The Pygmalion effect أو تأثير بيجماليون هو مصطلح حديث معناه بإختصار إن التوقعات العالية بتخلي الأداء يتحسن والتوقعات الوحشة بتعمل العكس مثلا لما تفضل تقول لحد بيذاكر إنك واثق إنه هينجح وإنه ذكي جدا بينجح فعلا أو في الشغل إننا هنخلص تارجت معين أكيد عشان كلنا جامدين موت نقوم نتحمس ونوصل للتارجت :D والفكرة دي بتطبق فالبيزنس والرياضة وغيرها..

وبمناسبة المصطلحات أحب أقولكم إن في مصطلح ظهر في القرن العشرين وهو agalmatophilia وهو نوع من الإنجذاب للتمثايل أو حتى اللعب المجسمة زي باربي. كلمة Pygmalionism هي شكل من أشكال ال agalmatophilia لكن لما يكون الشخص ده هو بنفسه اللي صنع التمثال أو اللعبة.


عشان تسمع القصة:

spotify:هنا 

Soundcloud:هنا 

Youtube: هنا

Anghami: هنا

Google Podcast: هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيت الكريتليه - فلكلور مصري من السيدة زينب

قصة النهارده فلكلور مصري أصيل عن مكان تحفة منسي وسط أحياء القاهرة القديمة جنب مسجد أحمد ابن طولون.. القصة واحده من الأساطير الـ 14 عن بيت ال...